حين تأتي الطعنة من الظهر…

وكالة الصحافة العراقية1 مايو 2025Last Update :
وكالة الصحافة العراقية

د. احمد العيسى

في زوايا الحياة اليومية، نسمع الكثير من الكلمات القاسية، الشائعات الجارحة، أو الأحكام المسبقة التي تُقال في غيابنا. وقد نمرّ عليها مرور الكرام، دون أن تترك فينا أثرًا كبيرًا. لكن الطعنة الحقيقية لا تكون في حدّ الكلمات، بل في هوية من نطق بها.

“أحياناً لا تحزنك الكلمات التي تُقال عنك بقدر ما يحزنك أن تعرف من قالها.”
تلك عبارة تختصر مرارة الخذلان، حين يأتيك الألم لا من خصم، بل من صديق، من رفيق درب، من شخص ظننته الأقرب إلى قلبك، أو من بنيت معه حكاية ثقة على مدى سنوات.

في عالم العلاقات الإنسانية، لا تُقاس الجراح دائمًا بمدى عمقها، بل أحيانًا تُقاس بيد من كانت، تمامًا كما لا تُقاس الخيانة بحجم السرّ المُباح، بل بمن أفشاه. نحن نُربّي أرواحنا على التحمّل، على التسامح أحيانًا، لكننا ننهار حين نكتشف أن من أسندناهم في ضعفنا، هم من أوغروا الصدور علينا.

في الميدان العام، سواء في السياسة أو الإعلام أو حتى في الحياة الاجتماعية، قد تُشاع عنك الأكاذيب، وقد تتعرّض لحملات تشويه أو انتقادات قاسية، وكلها – رغم قسوتها – تظل قابلة للصد، لأننا ندرك من أين أتت، ونفهم دوافعها. أما حين يصدر ذلك الكلام من شخص شاركك المواقف، وعاش معك التفاصيل، فذلك وجع لا يُحتمل، لأنه وجع الثقة التي تهاوت.

نحن لا نحزن فقط لأنهم قالوا، بل لأننا لم نكن نتوقع أن يقولوا. لا نتألم من الكلمة، بل من الشخص الذي خان الصمت بيننا.

ولعلّ أجمل ما يمكن أن يفعله الإنسان في هذه المواقف هو أن يتعلّم، لا أن ينتقم. أن يراجع خريطته البشرية، لا أن يحرقها. أن يُعيد تعريف “القرب”، لا أن يعتزل الناس. فالحياة لا تتوقف عند خيبة، لكنها تُعيد ترتيبنا من الداخل كلما تلقينا طعنة غير متوقعة.

نعم، هناك وجع ناتج عن الكلمة، ووجع أعمق ناتج عن صاحبها. فلنحسن اختيار من نُقرّب، قبل أن نُحسن الرد على من يُسيء.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

أخبار عاجلة