سرداب النجف.. نهر الخلود وبوابة العالم الآخر

وكالة الصحافة العراقية16 سبتمبر 2025Last Update :
سرداب النجف.. نهر الخلود وبوابة العالم الآخر

في قلب أرض النجف، حيث يرقد الأولياء والصالحون، وحيث تعانق السماءُ الأرضَ بأسرارها، يتحدّث الناس منذ قرون عن سردابٍ عجيب، لا يظهر إلا لمن شاء الله أن يختاره. مدخلٌ غامض، يقال إنه يفتح عند ساعات الفجر الأولى، حين تذوب خيوط الليل في نور الله، وحين يُسمع في الأفق صوت مؤذن يذكّر العباد بقول الحق:
﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾.

هذا السرداب، كما تقول الروايات، ليس نفقًا من تراب فحسب، بل هو باب بين العالمين؛ عالمنا الحاضر بما فيه من صراعٍ وفناء، والعالم الآخر حيث يبدأ الخلود.

خزائن الأرض ونهر الفرات الأصلي

في داخله، قيل إن نصف خزائن الأرض مصونة في صناديق من نور، محروسة بملائكةٍ لا تراهم الأبصار. ومن بين الصخور يخرج نهرٌ خفي، يُسمّيه أهل النجف “الفرات الأصلي”، ماءه لا يشبه ماء الدنيا، صافٍ كالكريستال، إذا شرب منه العبدُ أُطفئت نار عطشه الأبدي، وامتلأ قلبه بالسكينة، كأنه شرب من ماء الكوثر الذي وعد الله به نبيه المصطفى ﷺ:
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾.

يقولون إن هذا هو ماء الخلود الذي بحث عنه جلجامش قديمًا، ولم ينله، والذي ارتوى منه الخضر عليه السلام فصار حيًّا لا يموت حتى يأذن الله.

جنة عدن تحت الأرض

ويمضي الرواة في حكاياتهم: إنك إذا تابعت السير في أعماق السرداب، وصلت إلى بساتين لا يعرفها البشر؛ أشجار باسقة، وثمار تتدلّى بلا نهاية، تجري من تحتها أنهار، وكأنك في جزء من جنة عدن التي سكنها آدم وحواء. هناك، يسمع السائر تسبيحًا لا ينقطع، ورائحة طيب لا يشبه طيب الأرض.

حرّاس السرداب.. الأفاعي “العربيد”

غير أن الوصول إلى تلك الأسرار ليس سهلاً، فقد جعل الله على مدخل السرداب حرّاسًا من مخلوقاته العجيبة، أفاعٍ ضخمة تسمّى في لسان النجفيين “العربيد”. ليست كالأفاعي المعروفة، بل لها أعين كالزمرد تتوهّج كأنها نجوم، وجلودها كالمعادن الصلبة، تنفث نارًا ودخانًا على كل متطفّل. ويُقال إنها أقسمت بأمر الله أن لا تسمح بمرور أحد إلا من كان قلبه طاهرًا، ولسانه ذاكرًا، ويداه لم تمتدا إلى ظلم.

بين الحقيقة والرمز

هكذا تبقى الحكاية: هل هو سردابٌ حقيقيّ تختزن فيه النجف سرّ الخلود؟ أم هو رمزٌ صنعه الأجداد ليذكّرنا بأن في هذه الأرض بابًا للآخرة، وأن النجف ليست مدينةً كباقي المدن، بل هي شاهد على وعد الله بالخلود، وعلى قول الحق:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾.

ويقول العارفون: لعل هذا السرداب ليس إلا صورة من صور ما ينتظر الإنسان يوم يُكشف الغطاء، يوم يرى الجنان والأنهار والخلود حقًّا لا مجازًا.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

أخبار عاجلة