قرار بلا اسم
في الوقت الذي يترقّب فيه الشارع العراقي إعلان اسم رئيس الوزراء المقبل، تكشف معطيات سياسية متقاطعة أن القرار الحقيقي لم يُحسم بعد، ليس بسبب غياب المرشحين، بل لأن الاسم المطلوب لم يُطرح أصلًا على الرأي العام. خلف الأبواب المغلقة، تدور مفاوضات أكثر تعقيدًا من مجرد توافق داخلي، مفاوضات تبحث عن “شخصية ظل” قادرة على العبور بين الألغام السياسية دون أن تُفجّرها.
أولًا: لماذا تعطّل الإعلان؟
بحسب مصادر مطلعة داخل الإطار التنسيقي، فإن تعطّل الحسم لا يرتبط بالخلاف على الأشخاص بقدر ما يرتبط بفقدان الثقة بتجارب سابقة. شكّلت نقطة تحوّل في عقل صانع القرار، بعد أن أظهرت أن رئيس الحكومة يمكنه، مع الوقت، التحرر من الغطاء السياسي الذي أتى به.
هذا المعطى دفع قوى نافذة إلى إعادة النظر في معايير الاختيار، والبحث عن شخصية:
لا تنقلب على حاضنتها السياسية
ولا تتحول إلى مركز قوة مستقل
لكنها في الوقت ذاته قادرة على إدارة الدولة دون وصاية مباشرة
ثانيًا: المالكي… بيضة القبان الصامتة
لا يُنظر إلى السيد المالكي اليوم كمرشح، بل كـ مُحدِّد للمسار. مصادر متعددة تؤكد أن أي اسم لا يمر عبر “فلترة المالكي” لن يرى النور، ليس بدافع الهيمنة، بل بدافع القلق من تكرار سيناريوهات فقدان السيطرة السياسية.
المالكي، وفق هذه المصادر، يدفع باتجاه خيار “الضمانة الهادئة”، رئيس وزراء لا يصطدم مع الإطار، ولا يغامر بإعادة تشكيل التوازنات داخل البيت الشيعي.
ثالثًا: واشنطن وطهران… تفاهم غير معلن
التحقيق يكشف أن الاختلاف الأميركي–الإيراني لم يعد على شخص رئيس الوزراء بقدر ما هو على سلوكه.
مصادر دبلوماسية تشير إلى أن واشنطن تركز على ملفات محددة:
ضبط السلاح المنفلت
السيطرة على سوق الدولار
الاستمرار بالإصلاحات المالية
في المقابل، تشدد طهران على:
وحدة القرار داخل القوى الشيعية
عدم تهديد مصالحها الأمنية
ضمان استقرار الحكومة المقبلة
وهنا، يتضح أن الطرفين لا يمانعان اسمًا غير معروف إعلاميًا، طالما يلتزم بخطوط حمراء واضحة.
رابعًا: من هو “المرشح غير المرئي”؟
التحقيق، بالاستناد إلى شهادات من داخل غرف القرار، يرسم ملامح شخصية لم تُذكر علنًا، لكنها:
شغلت مناصب تنفيذية حساسة داخل الدولة
قادت لجانًا اقتصادية وأمنية ذات طابع استراتيجي
شاركت في مفاوضات إقليمية ودولية دون صفة علنية
لعبت أدوارًا مؤثرة في تشكيل حكومات سابقة
هذه الشخصية ليست جديدة على النظام السياسي، لكنها جديدة على الشارع، اختارت العمل من خلف الستار، وتجنبت الظهور الإعلامي الذي استهلك غيرها.
خامسًا: لماذا يُفضَّل الصمت على النجومية؟
مصادر التحقيق تؤكد أن “النجومية السياسية” باتت عبئًا، لا ميزة. الأسماء المعروفة:
تحمل إرث خصومات
وتواجه رفضًا شعبيًا مسبقًا
وتُستنزف إعلاميًا قبل تسلم المنصب
بينما يوفّر “المرشح الصامت”:
مساحة حركة أوسع
قابلية أعلى للتسويق الشعبي
مرونة في التفاهمات الداخلية والخارجية
سادسًا: الشارع… المفاجأة غير المتوقعة
على خلاف ما يُشاع، لا يعارض الشارع فكرة اسم غير معروف، بل قد يرحّب به، بشرط أن:
لا يكون واجهة حزبية
يمتلك سجلًا مهنيًا نظيفًا
يقدّم خطاب دولة لا طائفة
استطلاعات غير رسمية اطّلع عليها التحقيق تشير إلى أن المزاج الشعبي يميل لتجربة “الهادئ الكفوء” بدل “الصاخب المجرب”.
الخلاصة: القرار لم يُعلن… لكنه يُصنع
ما يجري اليوم في العراق ليس فراغًا سياسيًا، بل إعادة هندسة هادئة للسلطة التنفيذية. الاسم لم يُكشف بعد، لكن ملامحه باتت واضحة: شخصية وسطية، غير مستهلكة، ذات تاريخ مؤسساتي، قادرة على إدارة توازن دقيق داخليًا وخارجيًا.
القرار سيظهر فجأة… لكن من يراقب الكواليس يدرك أن المفاجأة
جُهِّزت منذ وقت طويل.
