إعلام ناطق بالعربية… أدوات صهيونية ناعمة لاختراق الوعي الجمعي العربي

وكالة الصحافة العراقية19 يونيو 2025Last Update :
وكالة الصحافة العراقية



احمد العيسى / وكالة انباء الصحافة العراقية

في ساحة الصراعات المعاصرة، لم تعد الحروب تُخاض فقط بالبنادق والطائرات، بل أصبحت الكلمات والصور أدوات لا تقلّ فتكاً. ضمن هذه الحرب “الناعمة”، تستثمر إسرائيل شخصيات من أصول عربية في إعلامها الموجّه للعرب، ضمن استراتيجية أمنية وإعلامية متكاملة تهدف إلى اختراق الوعي الجمعي العربي، وإعادة تشكيل الإدراك العام تجاه العدو، عبر أدوات ناعمة وفعالة في ميادين الحروب النفسية والإعلامية.

“الخصم الودود”: أفيخاي أدرعي

أحد أبرز الأسماء في هذه الاستراتيجية هو أفيخاي أدرعي، المسؤول عن الإعلام العربي في الجيش الإسرائيلي، والمنحدر من أب سوري وأم عراقية كما يدعي . يتموضع أدرعي كمحور مركزي في العمليات النفسية (PSYOPS)، حيث يوظّف لهجة عربية مألوفة، ويظهر بصورة “الخصم الودود”، مخاطباً الجمهور العربي بلغة عاطفية وأحياناً دينية، في محاولة متكررة لزعزعة الثوابت وخلخلة الصورة النمطية للجيش الإسرائيلي.

نشاطه الكثيف على مواقع التواصل الاجتماعي لا يعبّر عن اجتهاد شخصي بقدر ما هو تنفيذ تكتيكي لخطط حرب هجينة، تتداخل فيها السياسة بالمخابرات، والدين بالتقنيات الاتصالية الحديثة. أدرعي لا يخاطب العقول فقط، بل يستهدف المشاعر والرموز.

إيلا واوية: الانخراط الرمزي للعرب

في موقع لا يقل أهمية، تبرز إيلا واوية، وهي عربية مسلمة، تحمل رتبة رائد وتشغل منصب نائب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي. لا تُستخدم واوية كواجهة عسكرية فقط، بل تمثّل رمزاً دعائياً يُراد له أن يضرب السرديات القومية والدينية في الصميم.

ظهورها المتكرر في الإعلام العبري والعربي يهدف إلى تصدير صورة “الانخراط الطبيعي” للعرب والمسلمين داخل المنظومة العسكرية الإسرائيلية، ما يخدم استراتيجية الهندسة الإدراكية التي تسعى إسرائيل من خلالها إلى نزع شيطنة جيشها، وتقديمه ككيان “متسامح”، قابل للتعايش والتفاهم، خلافاً لما ترسّخ في الوجدان العربي لعقود.

إيدي كوهين: الأكاديمي المحرّض

أما الوجه الثالث فهو إيدي كوهين، اللبناني الأصل، والذي يتقن فن اللعب على حبال الطائفية والسياسة. يُقدَّم كـ”باحث” في الشؤون العربية، لكنه في الواقع يمثل واجهة إعلامية – أمنية لا تخفي أهدافها التحريضية. يتنقل كوهين بين تسريبات غير موثقة، وتحليلات استفزازية، وهجمات لغوية صاخبة، تستهدف استثارة الانفعالات، وتأجيج الانقسامات داخل مجتمعات عربية منهكة.

كوهين ليس مجرد معلّق على الشأن العربي، بل هو جزء من المنظومة الدعائية التي تُنتج الفوضى كتكتيك، وتُغذّيها بالإشاعات والمعلومات المضللة، في محاولة لإرباك المتابع العربي، وضرب الثقة بين الشعوب ونُخبها السياسية والدينية.

حرب ناعمة بأدوات محلية

اللافت في هذه الاستراتيجية الإسرائيلية هو اعتمادها على شخصيات ذات خلفيات عربية، ما يمنحها شرعية شكلية، ويُخفي خلفها أهدافاً أعمق تتعلق بالتطبيع الناعم، وتشويه المفاهيم القومية والدينية، وتفكيك الهوية الجمعية.

هذه الشخصيات لا تُستخدم عشوائياً، بل ضمن خطة مدروسة تراعي الخصوصيات الثقافية واللغوية والنفسية للجمهور المستهدف. إنهم أذرع ناطقة بالعربية، تم تدريبها واختيارها بعناية، لتكون جزءاً من المعركة الأوسع: معركة الإدراك.
من يفوز بالوعي؟
في زمن تتحكم فيه المنصات الرقمية بالعقول قبل الأجساد، تصبح المعركة على الوعي هي الأهم. ومثلما تجهّز الدول جيوشها بالسلاح، تجهّز إسرائيل منظومتها الدعائية بشخصيات “نصف مألوفة”، قادرة على اختراق الحواجز النفسية والثقافية.

غير أن الوعي الجمعي العربي لا يزال يمتلك مناعة تاريخية وقيمية، قادرة على التمييز بين الخطاب الصادق والخطاب المفخّخ، وبين الإعلام الهادف والبروباغندا المتقنّعة.

ويبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لمواجهة هذا النوع الجديد من الحروب؟

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

أخبار عاجلة