✍️ بقلم: الدكتور أحمد العيسى
في سبعينات القرن الماضي، كانت مناطق الفرات الأوسط تزخر بعادات وتقاليد تعكس تداخل الموروث الشعبي مع الحياة اليومية، ومنها عادة غريبة ارتبطت بأواخر شهر صفر. ففي آخر يوم أربعاء من هذا الشهر، كان الأهالي يتوجهون إلى المدابغ، وهي الأماكن التي تُعالج فيها جلود الحيوانات لتكون جاهزة للصناعات التقليدية.
هناك، كان الناس يحرصون على العبور من سبعة أحواض متتالية، يعتقدون أنها تُطرد النحس وتبعد عنهم الحظ السيئ، وتفتح “القسمة” أمام غير المتزوجين، فضلًا عن كونها وسيلة للتخلص من أي “أعمال شيطانية” إن وُجدت. هذه الطقوس، وإن بدت اليوم غريبة للبعض، إلا أنها كانت بالنسبة لأهل تلك الحقبة جزءًا من موروث اجتماعي راسخ، يختلط فيه الإيمان بالخرافة، والرجاء بالخلاص من أعباء الحياة الثقيلة.
المثير في الأمر أن هذه العادة لم تكن مقتصرة على طبقة اجتماعية محددة، بل مارسها البسطاء والتجار والفلاحون على حد سواء، وهو ما جعلها مشهدًا سنويًا متكررًا، يحمل طابعًا احتفاليًا ممزوجًا بالرجاء.
ومع مرور الزمن، بدأت هذه الطقوس تتراجع شيئًا فشيئًا، خصوصًا مع تغير أنماط الحياة، وتطور الوعي الديني والاجتماعي، فضلًا عن اندثار المدابغ نفسها بفعل التطور الصناعي وتغيّر البنية الاقتصادية للمدن. واليوم، يكاد الجيل الجديد لا يعرف شيئًا عن “الأحواض السبعة”، إلا من خلال روايات كبار السن أو ما تبقى من ذاكرة شفوية تروي حكايات تلك الأيام.
إن السؤال الذي يطرح نفسه: هل اندثرت هذه العادات كليًا، أم بقيت آثارها في مناطق محدودة بشكل رمزي؟
الجواب على الأرجح أن معظمها تلاشى كما تلاشت الكثير من الطقوس الشعبية القديمة، إلا أن قيمتها تبقى حاضرة في إطار دراسة التراث الاجتماعي، فهي نافذة لفهم كيف كان الناس يواجهون مخاوفهم وأحلامهم عبر رموز بسيطة وطقوس جماعية.
هل لديك معلومات عن آخر أربعاء في صفر الخير

