احمد العيسى / وكالة انباء الصحافة العراقية
في الأيام الأخيرة، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي والفضاء الإعلامي بنقاش غير مسبوق حول العباءة النسائية، وكأنها وليدة اللحظة، أو مستحدثة من واقع غريب عن ثقافتنا. طرحها أحد المسؤولين فجأة في حديثٍ بدا أقرب لـ”الترند” منه إلى خطاب جاد، فوجدها البعض فرصة للتسقيط السياسي، وآخرون مسرحًا للصراعات الأيديولوجية.
لكن، هل أزمة العباءة حقًا هي قضية الساعة؟ أم أنها أزمة مُفتعلة يُراد بها صرف الأنظار عن قضايا أكثر أهمية؟
العباءة العراقية، وتحديدًا العباءة النجفية، ليست مجرّد قطعة قماش، بل جزء من ذاكرة وهوية اجتماعية عريقة، تعود بجذورها إلى عهد الملكية، حين كانت تُعتبر زيًّا رسميًا راقٍ للمرأة العراقية. لم تكن يومًا موضع خلاف أو جدل، لأنها ببساطة تعكس ثقافة الأسر والمناطق، وتتنوع وفق العادات والتقاليد، دون أن يُفرض ارتداؤها أو يُستنكر عدمه.
في النجف الأشرف، حيث العباءة النجفية تُضاف إليها “البوشية” كعلامة للاحتشام والوقار، لم نسمع عن معارضة أو جدال حولها. بل على العكس، تُقابل بالحفاوة والاحترام، سواء ارتدتها طالبة في الجامعة، أو موظفة في الدولة، أو صحفية في الميدان. الجميع يدرك أن الزي الشخصي شأن فردي، يعكس قناعات العائلة والمجتمع، لا أوامر حزب أو تعليمات سلطة.
ورغم هذا الاستقرار الثقافي، خرج علينا من أراد أن يجعل من العباءة “قضية”، ليس من باب الغيرة على الحشمة، بل من باب إثارة الجدل وركوب موجة الترند، في موسم انتخابي واضح، يريد فيه البعض أن يصنع لنفسه حضورًا افتراضيًا، ولو كان ذلك على حساب رموز اجتماعية راسخة.
قرار أو تصريح أو رقم مثل “القرار ٨” – بغض النظر عن محتواه – لم يأتِ بدافع الحرص، بل كمادة جاهزة للإثارة والتفاعل. وهنا لا بد من السؤال: لماذا نحول الاختيارات الشخصية إلى أدوات للفرقة والتجييش؟ ولماذا نترك القضايا الجوهرية كالبطالة والتعليم والفساد، وننشغل بقضية لم تكن أصلاً محل نزاع؟
الحقيقة أن العباءة لم تكن أبدًا أداة للسيطرة أو الإقصاء. هي خيار، واحترامها لا يعني فرضها، وارتداؤها لا يلغي احترام من اختار غيرها ضمن حدود الاحتشام.
المجتمع الواعي لا يُستدرج إلى معارك وهمية، ولا ينجرّ خلف شعارات فضفاضة. فليُترك للناس حق الاختيار، ولتُرفع العباءة عن ساحة الصراع، ولتبقَ كما كانت دومًا: رمزًا للهوية… لا ورقة ضغط سياسي.
