بقلم: حنان الصحاف
في زحمة الحياة اليومية، وانتقال المفاهيم التربوية من جيل إلى آخر دون مراجعة أو تفكير، ترسّخت في وعينا خرافات تربوية تُمارس يوميًا على أطفالنا باسم “التربية الصالحة”، وهي في حقيقتها أبعد ما تكون عن الوعي، وأقرب إلى التسلّط المبطّن.
الخرافة الأولى: “الطاعة العمياء”
يُروَّج منذ عقود لفكرة أن الطفل يجب أن يردّد دائمًا: “سمعًا وطاعة”، وأن الأب أو الأم لا يُسألان عمّا يقرّرانه.
لكن هذه ليست تربية، بل برمجة على الاستسلام.
الطاعة العمياء تقتل في الطفل حسّ السؤال، وتعطّل لديه مهارة التمييز، وتُربيه على الخضوع الأعمى لا على الفهم العميق.
في التربية الواعية، لا وجود للطاعة العمياء.
بل هناك حوار، وهناك تفسير، وهناك مساحة للطفل أن يسأل: “لماذا؟”
لا لأننا نشجّع التمرد، بل لأننا نزرع في أطفالهـم بذور العقل الناقد، ونبني شخصية قادرة على اتخاذ القرار لاحقًا، لا شخصية تنتظر الأوامر فقط.
الدور الحقيقي للأب والأم ليس دور “الضابط” و”الحاكم”، بل دور “القدوة” و”المرشد”.
الآباء ليسوا قضاة يصدرون أحكامًا على أبنائهم، بل مربّون يفتحون لهم أبواب الفهم، ويقودونهم عبر نموذج عملي في السلوك والتعامل.
التوجيه لا يعني السيطرة، والاحتواء لا يعني الإلغاء.
حين يشعر الطفل أن والده يرشده، لا يفرض عليه، فإن العلاقة تنمو على أساس من الاحترام المتبادل، لا الخوف.
وحين تكلّم الأم ابنها بلغة التفاهم لا التلقين، تُصبح مرجعًا وجدانيًا له لا مجرد مصدر للزجر والنهي.
وهنا نصل إلى خرافة أخرى خطيرة: “الاستحقاق المطلق”.
حين يظن الطفل أن كل ما يُمنح له هو “حق مكتسب”، يكبر بشخصية متطلبة، أنانية، لا ترى النعمة، ولا تشكر العطاء.
بينما التربية الحقيقية تُرسّخ في وعي الطفل أن كل ما لدينا هو من فضل الله تعالى، وأن الشكر والتقدير والامتنان صفات أصيلة يجب أن يتربى عليها منذ الصغر.
نحن اليوم في زمن يفرض علينا مراجعة أدواتنا التربوية، وخلع عباءة “الخرافات” التي توارثناها.
ليس كل ما ورثناه صالحًا للتطبيق، وليس كل رفع للصوت هو هيبة،
كما أن الطاعة العمياء ليست دليلاً على التربية، بل على تعطيل العقل.
الجيل القادم لا يحتاج إلى أوامر… بل إلى وعي.
ولا إلى آباء غاضبين… بل إلى آباء حاضرين.
