
في زمن بات فيه الصدق تهمة، والإنصاف شبهة، والتقدير وصمة تُفسّر على أنها تملق، نجد أنفسنا مضطرين لطرح سؤال مؤلم: لماذا إذا كتبنا كلمة حقّ في مسؤول نزيه أو صديق مخلص، تُقرأ وكأنها محاولة للتزلف؟ ولماذا إذا شتمنا وقللنا من شأن أحد، سواءً صدقاً أو زوراً، يهلل الجمهور ويصفق؟
لسنا بصدد تبرئة كل من يُمدح، ولا شيطنة كل من يُنتقد، ولكننا بصدد البحث عن سبب هذا الانحراف الخطير في الذائقة العامة، الذي بات يُكافئ الشتائم ويُجرّم الإنصاف.
مجتمع مأزوم؟
لعلّ الجواب المؤلم يكمن في أزمة ثقة تراكمت عبر عقود. اعتاد الناس على أن كل مديح لموظف عام أو مسؤول يُخفي مصلحة شخصية أو صفقة مشبوهة. وعليه، أصبحت الكلمة الطيبة مشبوهة حتى تثبت براءتها، وأصبح الشك هو القاعدة والإنصاف هو الاستثناء.
لكن السؤال الأخطر: هل هذا التعميم القاسي هو الحل؟ وهل من العدل أن يُزجّ بالشرفاء في سلة واحدة مع الفاسدين فقط لأننا خُذلنا مراراً؟ أليس في ذلك خيانة للحقيقة نفسها؟
سحر الشتيمة… وعشق الفضيحة
من جهة أخرى، نجد أن الجمهور غالباً ما ينجذب نحو المحتوى السلبي، كمن ينجذب لحادث سير في منتصف الطريق. الفضائح تُقرأ أكثر، والشتم يُشارك أكثر، والمقالات الهجومية تحصد التفاعل الأكبر. لماذا؟ لأن العقل الجمعي بات مدفوعاً بالعاطفة لا بالفكر، وبالاشتباه لا بالتحليل.
نحن نعيش في عالم تُكافأ فيه الإثارة، لا الدقة. والنتيجة: من يكتب بشرف لا يسمع صوته، ومن يصيح بالكذب يُروَّج له كأنه منبر الحقيقة.
هل الخلل في المجتمع؟
ربما نعم، وربما لا. فالمجتمع ليس وحشاً متوحشاً بطبعه، بل ضحية لتشوهات إعلامية، وسياسية، وثقافية. وإذا أردنا أن نُصلح هذا الخلل، فعلينا أن نعيد الاعتبار للإنصاف، ونتعلم أن قول كلمة طيبة لا يعني أننا ننافق، وأن الانتقاد البنّاء لا يعني الشتم.
ختاماً…
ربما بات قول الحقيقة اليوم عملاً ثورياً. وربما كُتب علينا أن نُجاهد بالكلمة الطيبة وسط ضجيج الكذب. ولكننا، رغم كل شيء، نؤمن أن الإنصاف ليس تملقاً، وأن الصدق ليس ضعفاً، وأن النفاق مهما ساد، لا يدوم.
فدعونا لا نخاف من الإنصاف، ولا نخجل من قول الحق، حتى في زمن باتت فيه الحقيقة منفية والمنطق مصلوباً على قارعة الطريق.
هل ترغب أن أكتبها بأسلوب أكثر عاطفي أو أقرب للعامي أيضًا؟